أوروبا تريد فقط الأيدي العاملة التي تحتاجها


هجرة الشعوب من مكان الى اخر هي ظاهرة قديمة الأمد في تاريخ البشرية. فهي أحيانا تحدث لأسباب اقتصادية و أحيانا أخرى تحدث لأسباب دينية او بسبب الحروب, كما يمكن أن تحدث بسبب الكوارث البيئية كالتصحر و الجفاف و الاختفاء التدريجي لأماكن و بلاد بالكامل.

بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية العالمية, هجرة الشعوب أدت الى خلق حالة جديدة في الساحة العالمية. دول الغرب النامية اقتصاديا تقوم بتركيب حواجز حديدية لمنع الجموع المضطهدة من دخول أوروبا, من الناحية الأخرى ملايين البشر من الغير قادرين على مغادرة بلادهم مجبرون على البقاء في بلادهم و العيش في الأنقاض.

الحدود المغلقة و محاولة الكثيرين للدخول الى دول الاتحاد الأوروبي, الولايات المتحدة الأمريكية, كندا و أستراليا سوف تكون حديث السنوات القادمة, لكن حاليا لا يوجد أي حل يلوح في الأفق.
أوروبا تحمي نفسها عن طريق بناء حواجز بين دولها بينما حالة الركود تسيطر على المشهد السياسي.

لكن من هو المسؤول عن أزمة الهجرة/اللجوء؟ انها أوروبا اتي باتت معروفة بأسم أوروبا الحصن, سياسات أوروبا جعلتها مسؤولة عن حالة الفقر و البؤس التي تدفع الكثيرين للهجرة بسبب الحالة الاقتصادية. بنفس الوقت اوروبا و ضمن محاولتها لتوسيع نفوذها السياسي على الساحة العالمية سببت العديد من الحروب و ذلك إما عن طريق مشاركتها العسكرية المباشرة بها أو عن طريق بيع الأسلحة لأطراف معينة. أما الان فالوضع مختلف, لقد حان الوقت لتدفع أوروبا ثمن أعمالها و هي أمام تحدي كبير للتعامل مع
الشعوب المضطهدة التي تقرع أبوابها.

التمييز بين “اللاجئ” و “المهاجر” أصبح حقيقة واقعية و بموجبه يتم الترحيب “باللاجئ” و رفض “المهاجر”, رفض المهاجرين يؤدي في النهاية الى ترحيلهم القسري الى بلادهم.
عمليا لا توجد فروقات كبيرة بين اراء حكومات الاتحاد الأوروبي اليمينية الليبرالية التي تدعو الى احتضان “اللاجئين فقط” ضمن افتصادات هذه البلدان و بين البروباغندا اليمينية المتطرفة التي تدعي ان “الحضارة الأوروبية” تواجه تهديد الاسلام فكلاهما يتفقان على شيء واحد: تصنيف البشر في مراكز “هوت سبوت” و سجنهم في معسكرات اعتقال, هكذا يقوم الاتحاد الأوروبي الذي يستغل أزمة اللجوء/الهجرة بخلق نوع جديد من الأشخاص, الشخص الغير مرئي, الشخص الذي يعيش في مراكز هوت سبوت بعيدة عن المشهد المدني, الشخص المحروم من الحقوق على أطراف أوروبا حيث حرية هذا الشخص تعتمد على هويته المهنية, فإذا كان هذا الشخص فنيا مختصا في احد الأعمال فمرحبا به اما في حال عدم مطابقته لمتطلبات السوق فلا مكان له في أوروبا الحصن.

الاتفاقية الأخيرة بين الاتحاد الأوروبي و تركيا تتجه نحو محاولة التخفيض من معدلات الهجرة و اللجوء بقدر الامكان. عمليا هذا يعني التفريق بين المهاجرين و اللاجئين, السجن في معسكرات اعتقال و في النهاية الترحيل القسري الى تركيا حيث يستمر الاعتقال. سياسة الحدود المغلقة تحتاج لتعاون دول اخرى في المنطقة مثل مصر و ليبيا, هذه الدول قبلت بلعب دول الفيلتر (المرشح) لمنع الجموع من الوصول الى أوروبا مقابل صفقات سياسية و اقتصادية.
عشرات الهجمات التي تتعرض لها مراكز “استقبال” اللاجئين في ألمانيا و السويد مبنية على الاعتقاد بأن “الحضارة الأوروبية” و الدين المسيحي معرضون لتهديد الاسلام.هذه الاراء ليست سائدة فقط في أوساط المجموعات الفاشية المحلية و لكنها تستعمل من أيضا من قبل بعض أعضاء السلطة السياسية في دول الاتحاد الأوروبي بهدف تشكيل تحالف مع أبناء الطبقة الوسطى المحافظة. إذن القاعدة الاجتماعية لليمين الشمولي المتطرف لم تعد تظهر بخطابها التقليدي القديم القائل ان “الأجانب يسرقون فرص العمل في بلادنا و يؤثرون سلبا على اقتصادنا” بل بخطاب اجتماعي جديد يدعي “حماية قيم المسيحية و الحضارة الأوروبية. من خطر الاسلام”.

Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *